|
بناء الكون و المادة العاتمة ( 1 ) |
د.فاطمة الحلموشي - كلية العلوم- قسم الفيزياء - جامعة البعث - حمص - سوريا خلقنا على هذه الأرض وهي أجمل الكواكب على الإطلاق إذ أنها تنبض بالحياة وتشغلنا عن التفكير فيما , سواها في كثير من الأحيان. لكن هذه الأرض لا تعدو كونها كرة صغيرة تسبح في فضاء رحب والأجدر بنا أن نتعرف على هذا الفضاء وعلى المادة المكونة له. الجزء الأول من " المادة العاتمة وبناء الكون " نقدم فيه صورة مبسطة لبناء الكون كما نراه ، ونتحدث عن أهم النظريات التي وضعت حول نشوئه ونخمن لحظة نشوء الكيمياء . ( سنعرض هذا القسم في جزأين )
بناء الكون ( 1 )
إذا نظرت إلى السماء في ليلة من ليالي الشتاء ، وقد تلبدت بالغيوم ، فإنك لن ترى شيئاً وتظن أن هذه الأرض وما يحيط بها من غيوم هي الوجود كله ، ولكن سرعان ما تتذكر أن الشمس هي جزء من هذا الوجود . وعندما ينقضي فصل الشتاء ترى القمر يضيء لك الليالي فتسهر وتتسامر في ضوئه الساحر، وعندما يختفي وتظهر النجوم المتلألئة يبدو الكون أكثر اتساعاً ، وتدرك أنه واسع لدرجة قد لا يتسع إليها خيالك . حقاً إنه لكون بديع بشمسه وقمره ونجومه وأرضه . . . إنه صنع صانع أتقن كل شيء صنعه ، إنه الله ، فسبحان الله أحسن الخالقين ( لقد ورد ذكر السماء في القرآن الكريم في 120 آية وذكر السماوات في 190 آية ) [1]. في الحقيقة ، لقد شغل الكون الإنسان منذ القدم وعلى مر العصور، فعمل جاهداً وما زال يعمل على فهمه ، حتى أنه استطاع رصد حركة النجوم منذ زمن بعيد ، وبالتحديد في أوائل القرن التاسع ، أي في عهد الخليفة المأمون ، عندما كانت الحضارة الإسلامية في أوجها ، حيث شيد مرصدين أحدهما في بغداد والأخر في دمشق وكانا – في ذلك الوقت - الوحيدين في العالم ( في عام 964 صدر كتاب " النجوم الثابتة " للفلكي الفارسي الأصل عبد الرحمان الصوفي الذي يحدد فيه مواقع النجوم ) . ومع اختراع المقاريب ( التلسكوبات ) وتطويرها ، وزيادة مقدرتها ، استطعنا أن نعرف الكثير عن بناء هذا الكون ، بل إننا استطعنا رصد نشوء واندثار النجوم ، إذ أن النجوم مثل الإنسان تولد وتتطور ثم تموت . وهنا نسأل : كيف وجد هذا الكون ؟وما هي مكوناته ؟ ومما تتألف هذه المكونات ؟ وما هي تلك القوى التي تحكمها ؟
الكون كما نراه الآن: من المعلوم أن الكون مؤلف من مجرات Galaxies , وحشود مجرات Cluster of Galaxies وأن أهم هذه المجرات مجرتنا " درب اللبانة " Milky Way ( وأحياناً يقال لها درب التبان ) وهي تشتمل على أكثر من 100,000مليون نجم شكل ( 1 ) ، من هذه النجوم شمسنا Sun ولها عدد من الكواكب planets تتبعها وتدور حولها ، ولكل كوكب تابع أو أكثر يتبعه ويدور حوله ، وأهم كواكبها أرضنا earth ولها تابع واحد هو القمرmoon الذي تغزل به الشعراء ، وحدثه الناس ، وسامره المحبين . تشكل كل شمس مع توابعها منظومة يطلق عليها " المنظومة الشمسية "Solar System.
* الشدة محسوبة عند المسافة 10-13 cm وبالمقارنة مع القوى النووية الشديدة. نرى في الجدول من اليمين إلى اليسار على التوالي : نوع القوى ، مدى تأثيرها معطى بالسنتيمتر ( cm )، شدتها ، الجسيم الوسيط الذي يقوم بنقل فعل القوى ، الكتلة السكونية لوسيط القوى مقدرة بوحدة ( eV / c2 ) أي إلكترون فولط مقسوماً على مربع سرعة الضوء ، الشحنة ، حال الجسيم الوسيط هل هو مكتشف أم أنه - حتى الآن - مفترض . قوى الجاذبية :
تؤثر في الأجسام المادية كافة ، فنحن موجودون على
سطح هذه الأرض بفعل هذه القوة ، وكذلك تحجز المياه في الأنهار وتستقر في
البحار والمحيطات بالفعل ذاته ، وينتشر الهواء حول الأرض بتأثير الجاذبية
على جزيئات الهواء وتخضع الأجسام المتأثرة بهذه القوة في حالتي الحركة
والسكون إلى قوانين نيوتن وما ينتج عنها . ويمتد تأثير فعل الجاذبية هذا من
أصغر الجسيمات الموجودة في الطبيعة والتي تدعى "
الجسيمات الأولية
"[3] يطلق على العلم الذي يهتم بدراسة التفاعلات أو التأثيرات المتبادل بين الجسيمات الأولية "الفيزياء الصفرية " أو " الميكرو فيزياء micro physics وعلى العلم الذي يهتم بالتفاعلات على النطاق الأكبر ، أي بمجمل الأجسام المدروسة " الفيزياء الكبرية " أو العيانية أو الماكرو فيزياء macro physics . القوى الكهربائية : تؤثرعلى الجسيمات ( الأجسام ) المشحونة فقط وهي إما أنها تنافرية تؤدي إلى ابتعاد الجسيمات ( الأجسام ) المشحونة عن بعضها إذا كان الجسيمان المتفاعلان يحملان شحنة من النوع نفسه ، أو أنها تجاذبيه ( تؤدي إلى اقتراب الجسيمان المتفاعلان من بعضها حتى التلامس إن أمكن ) إذا كان الجسيمان المتفاعلان يحملان شحنتين من نوعين مختلفين ، وذلك لأنه يوجد نوعين من الشحنات ( خاصة أطلق عليها شحنة لها حالتين ) موجبة وسالبة . يعبر قانون كولون في الكهرباء الساكنة عن هذه القوى وتعبر قوانين مكسويل عن الأفعال المتبادلة بين الأجسام في حالة كون الشحنات متحركة ، مثل التيار الكهربائي الذي يسري في الأسلاك الكهربائية. القوى النووية الضعيفة :
اكتشف هذا النوع من القوى لأول مرة عند ملاحظة عملية نووية
تعرف "
بتفكك بيتا
" القوى النووية الشديدة : مرت هذه التسمية بمرحلتين حيث أطلقت في البداية على القوى الفاعلة بين مكونات النواة [3] ، أي البروتونات والنيترونات ، وتعمل على التغلب على قوة كولون التنافرية المؤثرة على البروتونات كونها مشحونة إيجاباً ، وبالتالي تعمل على تماسك النواة واستقرارها . وبعد أن اكتشف أن كل من البروتونات والنيترونات ليست أجساماً بسيطة إنما مركبة من جسيمات أخرى أطلق عليها " الكواركات " الجدول ( III) أشير إلى القوى النووية الشديدة على أنها القوى الفاعلة بين هذه الجسيمات [2].
|
![]() |